تونس - في خضم جملة توقيفات ومحاكمات تجريها السلطات التونسية مؤخراً ينكشف وجه آخر قبيح لجماعة الإخوان وذراعها السياسية بالبلاد حركة النهضة، بينما يستعيد التونسيون سجلاً زاخراً بالجرائم التي ارتكبها الإخوان بحق التونسيين، وأبرزها الولاءات الخارجية والاغتيالات السياسية.
والأسبوع الماضي، ألقت قوات الأمن التونسية القبض على رئيس حركة النهضة بالإنابة المنذر الونيسي، ورئيس مجلس الشورى أعلى هيئة في الحركة عبد الكريم الهاروني، في أعقاب تسريب تسجيل صوتي نُسب إلى الونيسي تضمن حديثاً عن صراعات داخل الحركة وتمويلات خارجية غير مشروعة وترتيبات لانتقال سياسي في البلاد، وقد نفى الونيسي أيّ صلات له به.
وفي وقت سابق من العام الجاري كانت الشرطة قد ألقت القبض على زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، إلى جانب عدد من مسؤولي النهضة، منهم نور الدين البحيري ورياض بالطيب وسيد الفرجاني والصحبي عتيق ومحمد بن سالم.
وذلك في تحقيقات بشبهات التآمر على أمن الدولة والتحريض وتلقي تمويلات أجنبية، وتهم أخرى تتعلق بتسهيل سفر الجهاديين للقتال في سورية، وغسيل الأموال، وفق موقع (ميدل إيست).
(3) ملفات رئيسية
الخبير القانوني التونسي حازم القصوري فند جرائم حركة النهضة الإخوانية بحق التونسيين في تصريحات سابقة مع موقع (سكاي نيوز)، معتبراً أنّه يمكن تقسيمها إلى (3) ملفات رئيسية.
يتعلق الملف الأوّل بالعمليات الإرهابية والاغتيالات، وفي مقدمتها قضية السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وتورط النهضة في مقتلهما.
أمّا الملف الثاني، وفق القصوري، فإنّه يتعلق بالاتهامات الموجهة للحركة بتلقي تمويلات أجنبية والتعاون مع جهات خارجية إبّان الانتخابات البرلمانية، وهو أمر أقرته محكمة المحاسبات بصدور تقارير تؤكد تورط حزبي النهضة وقلب تونس بتلقي تمويلات خارجية، ممّا يمثل مخالفة للقانون.
ويرى القصوري أنّ الملف الثالث يرتبط بالفساد، ويؤكد في الوقت ذاته على ضرورة محاسبة جميع المفسدين الذين تسببوا بانهيار الوضع السياسي والاقتصادي التونسي على مدار (10) أعوام من الحكم بالبلاد.
وأوضح أنّ الفساد السياسي والاقتصادي تركة ضخمة لا يمكن للقضاء الحسم فيه بجرة قلم، ولكنّه يفرض التزاماً أخلاقياً سياسياً لمواصلة دعم العدالة والمحاسبة.
وفي كانون الثاني (يناير) الماضي أصدر القضاء التونسي قراراً بتجميد أموال ومصادرة ممتلكات وعقارات لـ (100) قيادي ورجل أعمال مرتبطين بـ (حركة النهضة)، الذراع السياسية لتنظيم (الإخوان المسلمين)، في تطور مثير في مسار الملاحقات القضائية التي تواجهها قيادات الحركة.
وذكرت تقارير محلية أنّ قراراً قضائياً آخر صدر من القطب القضائي والمالي بإصدار مذكرة جلب جديدة في حق نجل رئيس (حركة النهضة) معاذ الغنوشي، الموجود خارج البلاد، وذلك في سلسلة من الإجراءات القضائية الوقائية التي تأتي في ظل احتدام المواجهة بين الرئيس قيس سعيّد، وحركة النهضة التي حكمت البلاد طيلة العشرية الماضية.
الحرب الأهلية
قبيل القبض عليه في أيار (مايو) الماضي، أثار راشد الغنوشي ضجة وغضباً سياسياً واسعاً، بعد تلويح بالحرب الأهلية طويلة الأمد في البلاد، ردّاً على إسقاط الحركة عن الحكم وحلّ البرلمان الذي كان الإخوان يسيطرون على أغلبه.
وقد جاء تهديد رئيس حركة النهضة أثناء حديثه مع قيادات من (جبهة الخلاص الوطني)، إذ قال: “لا أتصور تونس من دون هذا الطرف أو ذاك، تونس من دون نهضة، من دون إسلام سياسي، تونس من دون يسار أو أيّ مكون، هذا مشروع حرب أهلية، هذا إجرام في الحقيقة”.
حلّ الحركة
يسعى نواب البرلمان الجديد في تونس إلى حلّ حركة النهضة، ووضع الإخوان على قوائم الإرهاب، وقد بدأ البرلمان مطلع آب (أغسطس) الماضي جمع توقيعات لتطبيق القانون على الحركة المتهمة بتمويل ودعم الإرهاب داخل البلاد.
وكشفت النائبة بمجلس الشعب فاطمة المسدي عن شروع النواب في التوقيع على “لائحة سياسية مضمونها تصنيف حركة النهضة إرهابية”، وفق (إندبندنت).
وأضافت المسدي أنّ هذه اللائحة تهدف كذلك إلى “المطالبة بحلها على خلفية شبهات تمويلات أجنبية وتورطها في الاغتيالات السياسية”، وهي أفعال يجرمها القانون، وفق تعبيرها.
وأكدت أنّ هذه اللائحة ستكون بمثابة “هدية إلى الشعب التونسي بمناسبة ذكرى 25 تموز (يوليو)، ومرور (10) أعوام على اغتيال الشهيد محمد البراهمي”.
تضمنت اللائحة تأكيد ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق الشعب طيلة العشرية الأخيرة، والعمل على تحقيق المفهوم الصحيح للسيادة باسترجاع المؤسسات الوطنية من الاختراقات التي دأبت عليها حركة النهضة، ودعت اللائحة المؤسسات الوطنية وبينها البرلمان إلى الانخراط في هذا التوجه.
سيناريوهات المستقبل
وترصد دراسة حديثة صادرة عن مركز الإمارات للسياسات (3) سيناريوهات محتملة لمستقبل النهضة الإخوانية.
الأوّل: هو انعقاد المؤتمر العام المقرر له تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وسط احتدام الأزمات داخل الحركة والقبض على غالبية قاداتها.
ومن المتوقع أن يفرز المؤتمر، حال انعقاده، تكتيكاً جديداً، وتغير في قيادته الحالية، كما يتوقع أن يقدم مراجعة شاملة لأخطاء الحركة في الأعوام الماضية التي أدت لفشلها سياسياً وشعبياً.
السيناريو الثاني: مواصلة السلطات التونسية مواجهة حركة النهضة بالقوة نفسها، وصولاً إلى حلّ الحركة من خلال القضاء، واستجابة للمطالب البرلمانية والسياسية.
والثالث هو استمرار الوضع القائم على ما هو عليه، وانعقاد المؤتمر الذي من المتوقع أن يفرز قيادة جديدة للنهضة، أو يستمر الغنوشي برئاسة الحركة، مع استمرار حالة التصعيد الداخلي والمواجهة مع السلطات.